ها أنا الآن قد جاوزت السنتين في صراعي المرير مع هذا المرض اللعين ،لم اكن أتخيل يوما بأن من هم في مثل حالي ، يمكن أن يصابوا بمثل هذا المرض ، ولكن ماذا عساي أن أقول ، فهذه حكـــــمة الله وهذا قدره ....
لقد باغتني هذا المرض اللعين في قمة فرحي ، ولم ادر ِ يوما أن خيانة الفرح قاسية إلى هذه الدرجة… ففرحتي عندما زرعت لي القرنيتين المتبرع بهما من أهل أحد الأشخاص والذي تعرض لحادث مميت ، وفرحتي عندما بدأ الضوء يظهر مبددا ً الظلام المدلهم من حولي ، متجلية ًصور الأشياء في أبهى حلــلـها ، وفرحتي عندما استعدت بصــري إلى جانب بصيرتي … لم يمنع هذا كله ذلك الفيروس الخبيث من التسلل من جسم ميت إلى جسمي الحي ، ولم يمنع أن يترافق كرم العطاء من الآخرين مع طعنة غادرة في قلب الفرح …
لقد استقبلت خبر إصابتي بالإيدز بالإنكار وعدم التصديق ولم املك الجرأة لـلحظة بمواجهة الحقيقة، ولقد شككت بدقة التشخيص مستنكرا ً أن يترافق كرم الله ورحمته مع ابتلائه وعقوبته ، وبعد فترة ليست بالقصيرة ، وبعد تأكدي أن هذا الابتلاء واقع لا محالة … تساءلت باستنكار وغضب : يا الله : هل من العدالة أن يحدث هذا لي ، لماذا أنا يا الله …؟!
نعم لقد كان غضبي شديدا من مهاجمة هذا البلاء لي، وأنا ما زلت في ريعان شبابي وتألقي ، ولقد كان غضبي أشد لأني أصبت به ولم أكن يوما ًمعاشرا للفاسدات أو مدمني المخدرات ، أما غضبي الأكبر والأعنف فقد كان موجها إلى تلك المستشفيات التي تمتص دماء الناس وأموالهم في حين أنها لا تتخذ ابسط الإجراءات في فحص الأجزاء أو الدماء المتبرع بها … فما ذنب امرأة احتاجت إلى نقل دم أثناء عمليتها القيصرية ، وما ذنب طفل بريء مصاب بفقر الدم واحتاج إلى دماء لإنعاش حياته ، وما ذنب رجل قلبه ضعيف واحتاج إلى صمام ليصبح هذا القلب نابضا بالمحبة والطيبة ، ما ذنبهم جميعا في أن تصيبهم لعنة الإيدز القاتلة ، ما ذنبهم في أن تصبح أماكن استشفائهم قبوراً للأشباح والشياطين ، لا قصوراً للملائكة والخيّريين ، فهؤلاء الضحايا أمانة في أعناق مــن! ومن يتحمل مسؤولية ما حدث لهم ؟ وهل يمكن تعويضهم عن هذا الخطأ القاتل والمميت؟
وما أن فقتُ من غضبي هذا حتى أصبح هذا المرض يتملكني ويسطو عليّ بجنوده، بل الأمـرّ من ذلك، أنه فتح الباب على مصراعيه لغيره من المفسدين، فأصبح جسمي مرتعاً خصبا لكل ما هب ودب من الفيروسات والــــجراثيم، واستسلمت كريات دمي البيضاء باكية على قوتها القديمة، وأسلحتها العظيمة …
في هذه اللحظات المقيتة تمنيت الموت واصبح المستقبل الحالم لا يعني لي شيئا ً، وبدأت اشعر بالحزن واليأس والوحدة ، فقد تخلى عني الجميع، وانفض القريب قبل البعيد من حولي ، وسرت وحدي في غربة العــمر في التيه المعـــمّى رغم الإبصار ، أسير ولا أرى غاية لسيري ، ألم في صميم روحي ينساب، وأنا في توحشي تنفض الحيرة حولي أشباح رعب محيــق، لا رفيق لا صاحب لا دليل ، غير يأسي ووحدتي وشرودي ، نعم ، لقد شعرت في البداية بالألم والغضب من تصرفات من حولي نحوي ، إلا أنني أصبحت بعد ذلك اكثر تقبلا لهذا الأمر، بل واعتدت عليه وطلبته ، وما عدت ألوم من تخلى عني وتركني في مهب عواصف الآلام والأحزان ، ولماذا ألومهم فقد يكون تصرفي نحوهم لو انهم في مثل وضعي كتصرفهم هم …
أما بيتي فقد قال لي بحزن :لا تهجرني لأن ماضيك وتاريخك يقطن فـــيّ ، أما الطريق فقالت لي: هـــلم ورائي فأنا مستقبلك ، تساءلت راسما ابتسامة الهازئ على وجهي …أين هو ماضي ّ وأين هو مستقبلي، فإذا أقمت في بيتي ففي إقامتي ذهاب، وإذا ذهبت فهنالك ذهاب في ذهابي … نعم لقد وقعت الخصومة بيني وبين الحياة ذاتها، وتسلـل اليأس إليّ وفيّ، وأصبحت كلــهيب وهشيم يابس بعضي يأكل بعضي… صارخا بملء صوتي : هلا ابتعد الجميع وحولوا وجوههم عني لكي لا يعـــميهم دخاني !َ
عندها أدركت بأن الموت ليس بأقرب إلى الشيخ منه إلى الطفل الرضيع ، وأصبح موتي الذي لا يشعر به أحد غيري يزورني في كل ليلة ، يهبط علي ويلفني لفاً ، يثقب جلدي وينتشر في عظمي رويدا رويدا ، كزلزال صغير لا ينتهي …
أدركت عندها أن لكل شيء أوانه، إلا الموت الزؤام هازم اللذّات ومبددها، الذي يأتي مباغتا ً كالمطر الاستوائي دون استئذان أو إنذار …
وبعد هذا الغضب والاكتئاب الذي تملكني ،وبعد أن هاضني الوهن ، وأعياني الألم ، وسطا علي الضعف والسقم ، وبعد أن تداعى جسمي وانخذل ، أصبحت أفكر وبكل جدية بهذا الأمر الجلـــــل ، متراوحا تفكـــيري بين أن أكون مستســـلما خانعا كافرا متمردا على خالقي ، أو أن أكون منطلقا في تفكيري ، متفائلا في أحاسيسي، صابراً على أمر الله وابتلائه في تقرير مصيري …
فتفكيري المستسلم كان يستند في أسسه على تطورات مرضي الرهيبة والمتسارعة ، وما أعانيه من ألم وخوف وغضب ؛ فالالتهابات بدأت تظهر في أقصى حالاتها وفي أدق مواقعها، كالدماغ المنتج والحاوي لأفكاري ،والأغشية السحائية الحامية لها من كل أذىً خارجي ، ولكن ما العمل إذا كان العدو الذي يهاجمني يتخذ دمائي مطية له تنقله حيثما أراد أو لم يرد، مقتحما هذا الصرح الشامخ من عقر داره … لقد بدأ النسيان وقلة التركيز يتمكنان مني ، منتظرا ما أشد وأعنف، كاضطراب عقلي ، وشلل عضلي ، وتشنجي ، وهوسي ، وغيبوبة طويلة تنتهي بموتي …
أما تفكيري المتفائل فكان ينبع من الإيمان ولا شيء غيره ، فإيماني بالله، وإيماني بمستقبل أولادي وأيماني بتاريخي وماضيّ ، لا يمكن أن يذهب هدرا هكذا … وأكون كمن ينطبق عليهم قوله تعالى (خسر الدنيا والآخرة ) …
فإذا كان ليس لي بد إلا أن أموت ،فلأمت كما أشاء وليس كما يشاء هذا المرض الخائن اللعين.
أقول ورغم اقتراب نهايتي بأنه لا بد أن أقرر أن أكون أو لا أكون ، نعم لقد قررت أو أقول لقد قدر لي أن اقرر وبعد صراع نفسي و فكري مؤلم أن أكون مع الله، وان أتقبل فكرة أنني ضيف على هذه الدنيا قصرت زيارته ، لأنه من المفيد أن نفهم أو أنه لا بد لنا أن نفهم، أنه إذا تعاظم حزن الإنسان وألمه لا بد أن تصغر الدنيا وتحقر في عينيه …
يا رب : أنا قطرة منك تاهت ، فوق ارض الشقاء والتنكيد ، فمتى اهتدي إلى منبعي الأسمى وأفنى في فيضه المنشود ، ضاقـت روحي يا رب بالأرض بالأسر والقيد فحرر روحي وفك قيودي ، ضمني إليك فقد طال انفصالي وطال تشريدي …
لقد صممت ألا يحد ألم جسدي وانهياره من جمال روحي ، ناظرا بكل المحبة إلى كل من وقف معي -على قلتهم- من أقرباء وأصدقاء ، كزوجتي التي لم تتخلَ عني لحظة ، وكأولادي الذين كانوا يحيطون بي في معاناتي ويمدونني بطاقة الروح وجمال النفس ، وكأصدقائي الذين كانوا يزودونني بالعزم والعزيمة في كل وقت وحين .
نعم ، كفاني تباكيا وحزنا ، فالأنسى آلامي ؛ فالنسيان شكل من أشكال الحرية ، ولأبتعد عن الكــآبة فهي جدار حصين يمنعني من التمتع بالبساتين الرائعة الزكية ، عجباً لإنسان فرغت كأسه فرضي بفـــراغها، وإذا لم يكن فيها سوى نصــفها اعتـــرض على نصف امتلائها …
لقد ولدت ثانية وإن لم يكن في العمر بقية ، ووقعت نفسي بحب جسدي مرة أخرى وتصالحنا معا ً. أدركت أن الإنسان ليست قيمته بما يبلغ إليه بل بما يتوق للبلوغ إليه . لقد حان الوقت لاستمع لصوت العقل ،لا ن الحياة كما يبدو عندما لا تجد مغنيا يتغنى بحزن قلبها تلد فيلسوفا يتكلم بعين عقلها .
سأمشى مع جميع الماشين ولن اقف بلا حراك لأراقب مواكب العابرين . لقد حان الوقت لأخطط لحياتي من جديد ، واضعا نصب عينيّ خدمة البشرية والإنسانية ما استطعت بدءا ً بأسرتي الصغيرة وانتهاءً بأمتي العظيمة … فنحن لا يـُـظهرُ الحقَ الذي فينا إلا الآلامُ العظيمة ُ التي تعترينا ، فالرغبة في الاستمرار نصف الحياة، أما عدم الاكتراث فاعتـقد انه يفوق نصف الموت … هذه قصتي وهكذا أبتدأ كل شيء وهكذا خطط له بأن ينتهي
لقد باغتني هذا المرض اللعين في قمة فرحي ، ولم ادر ِ يوما أن خيانة الفرح قاسية إلى هذه الدرجة… ففرحتي عندما زرعت لي القرنيتين المتبرع بهما من أهل أحد الأشخاص والذي تعرض لحادث مميت ، وفرحتي عندما بدأ الضوء يظهر مبددا ً الظلام المدلهم من حولي ، متجلية ًصور الأشياء في أبهى حلــلـها ، وفرحتي عندما استعدت بصــري إلى جانب بصيرتي … لم يمنع هذا كله ذلك الفيروس الخبيث من التسلل من جسم ميت إلى جسمي الحي ، ولم يمنع أن يترافق كرم العطاء من الآخرين مع طعنة غادرة في قلب الفرح …
لقد استقبلت خبر إصابتي بالإيدز بالإنكار وعدم التصديق ولم املك الجرأة لـلحظة بمواجهة الحقيقة، ولقد شككت بدقة التشخيص مستنكرا ً أن يترافق كرم الله ورحمته مع ابتلائه وعقوبته ، وبعد فترة ليست بالقصيرة ، وبعد تأكدي أن هذا الابتلاء واقع لا محالة … تساءلت باستنكار وغضب : يا الله : هل من العدالة أن يحدث هذا لي ، لماذا أنا يا الله …؟!
نعم لقد كان غضبي شديدا من مهاجمة هذا البلاء لي، وأنا ما زلت في ريعان شبابي وتألقي ، ولقد كان غضبي أشد لأني أصبت به ولم أكن يوما ًمعاشرا للفاسدات أو مدمني المخدرات ، أما غضبي الأكبر والأعنف فقد كان موجها إلى تلك المستشفيات التي تمتص دماء الناس وأموالهم في حين أنها لا تتخذ ابسط الإجراءات في فحص الأجزاء أو الدماء المتبرع بها … فما ذنب امرأة احتاجت إلى نقل دم أثناء عمليتها القيصرية ، وما ذنب طفل بريء مصاب بفقر الدم واحتاج إلى دماء لإنعاش حياته ، وما ذنب رجل قلبه ضعيف واحتاج إلى صمام ليصبح هذا القلب نابضا بالمحبة والطيبة ، ما ذنبهم جميعا في أن تصيبهم لعنة الإيدز القاتلة ، ما ذنبهم في أن تصبح أماكن استشفائهم قبوراً للأشباح والشياطين ، لا قصوراً للملائكة والخيّريين ، فهؤلاء الضحايا أمانة في أعناق مــن! ومن يتحمل مسؤولية ما حدث لهم ؟ وهل يمكن تعويضهم عن هذا الخطأ القاتل والمميت؟
وما أن فقتُ من غضبي هذا حتى أصبح هذا المرض يتملكني ويسطو عليّ بجنوده، بل الأمـرّ من ذلك، أنه فتح الباب على مصراعيه لغيره من المفسدين، فأصبح جسمي مرتعاً خصبا لكل ما هب ودب من الفيروسات والــــجراثيم، واستسلمت كريات دمي البيضاء باكية على قوتها القديمة، وأسلحتها العظيمة …
في هذه اللحظات المقيتة تمنيت الموت واصبح المستقبل الحالم لا يعني لي شيئا ً، وبدأت اشعر بالحزن واليأس والوحدة ، فقد تخلى عني الجميع، وانفض القريب قبل البعيد من حولي ، وسرت وحدي في غربة العــمر في التيه المعـــمّى رغم الإبصار ، أسير ولا أرى غاية لسيري ، ألم في صميم روحي ينساب، وأنا في توحشي تنفض الحيرة حولي أشباح رعب محيــق، لا رفيق لا صاحب لا دليل ، غير يأسي ووحدتي وشرودي ، نعم ، لقد شعرت في البداية بالألم والغضب من تصرفات من حولي نحوي ، إلا أنني أصبحت بعد ذلك اكثر تقبلا لهذا الأمر، بل واعتدت عليه وطلبته ، وما عدت ألوم من تخلى عني وتركني في مهب عواصف الآلام والأحزان ، ولماذا ألومهم فقد يكون تصرفي نحوهم لو انهم في مثل وضعي كتصرفهم هم …
أما بيتي فقد قال لي بحزن :لا تهجرني لأن ماضيك وتاريخك يقطن فـــيّ ، أما الطريق فقالت لي: هـــلم ورائي فأنا مستقبلك ، تساءلت راسما ابتسامة الهازئ على وجهي …أين هو ماضي ّ وأين هو مستقبلي، فإذا أقمت في بيتي ففي إقامتي ذهاب، وإذا ذهبت فهنالك ذهاب في ذهابي … نعم لقد وقعت الخصومة بيني وبين الحياة ذاتها، وتسلـل اليأس إليّ وفيّ، وأصبحت كلــهيب وهشيم يابس بعضي يأكل بعضي… صارخا بملء صوتي : هلا ابتعد الجميع وحولوا وجوههم عني لكي لا يعـــميهم دخاني !َ
عندها أدركت بأن الموت ليس بأقرب إلى الشيخ منه إلى الطفل الرضيع ، وأصبح موتي الذي لا يشعر به أحد غيري يزورني في كل ليلة ، يهبط علي ويلفني لفاً ، يثقب جلدي وينتشر في عظمي رويدا رويدا ، كزلزال صغير لا ينتهي …
أدركت عندها أن لكل شيء أوانه، إلا الموت الزؤام هازم اللذّات ومبددها، الذي يأتي مباغتا ً كالمطر الاستوائي دون استئذان أو إنذار …
وبعد هذا الغضب والاكتئاب الذي تملكني ،وبعد أن هاضني الوهن ، وأعياني الألم ، وسطا علي الضعف والسقم ، وبعد أن تداعى جسمي وانخذل ، أصبحت أفكر وبكل جدية بهذا الأمر الجلـــــل ، متراوحا تفكـــيري بين أن أكون مستســـلما خانعا كافرا متمردا على خالقي ، أو أن أكون منطلقا في تفكيري ، متفائلا في أحاسيسي، صابراً على أمر الله وابتلائه في تقرير مصيري …
فتفكيري المستسلم كان يستند في أسسه على تطورات مرضي الرهيبة والمتسارعة ، وما أعانيه من ألم وخوف وغضب ؛ فالالتهابات بدأت تظهر في أقصى حالاتها وفي أدق مواقعها، كالدماغ المنتج والحاوي لأفكاري ،والأغشية السحائية الحامية لها من كل أذىً خارجي ، ولكن ما العمل إذا كان العدو الذي يهاجمني يتخذ دمائي مطية له تنقله حيثما أراد أو لم يرد، مقتحما هذا الصرح الشامخ من عقر داره … لقد بدأ النسيان وقلة التركيز يتمكنان مني ، منتظرا ما أشد وأعنف، كاضطراب عقلي ، وشلل عضلي ، وتشنجي ، وهوسي ، وغيبوبة طويلة تنتهي بموتي …
أما تفكيري المتفائل فكان ينبع من الإيمان ولا شيء غيره ، فإيماني بالله، وإيماني بمستقبل أولادي وأيماني بتاريخي وماضيّ ، لا يمكن أن يذهب هدرا هكذا … وأكون كمن ينطبق عليهم قوله تعالى (خسر الدنيا والآخرة ) …
فإذا كان ليس لي بد إلا أن أموت ،فلأمت كما أشاء وليس كما يشاء هذا المرض الخائن اللعين.
أقول ورغم اقتراب نهايتي بأنه لا بد أن أقرر أن أكون أو لا أكون ، نعم لقد قررت أو أقول لقد قدر لي أن اقرر وبعد صراع نفسي و فكري مؤلم أن أكون مع الله، وان أتقبل فكرة أنني ضيف على هذه الدنيا قصرت زيارته ، لأنه من المفيد أن نفهم أو أنه لا بد لنا أن نفهم، أنه إذا تعاظم حزن الإنسان وألمه لا بد أن تصغر الدنيا وتحقر في عينيه …
يا رب : أنا قطرة منك تاهت ، فوق ارض الشقاء والتنكيد ، فمتى اهتدي إلى منبعي الأسمى وأفنى في فيضه المنشود ، ضاقـت روحي يا رب بالأرض بالأسر والقيد فحرر روحي وفك قيودي ، ضمني إليك فقد طال انفصالي وطال تشريدي …
لقد صممت ألا يحد ألم جسدي وانهياره من جمال روحي ، ناظرا بكل المحبة إلى كل من وقف معي -على قلتهم- من أقرباء وأصدقاء ، كزوجتي التي لم تتخلَ عني لحظة ، وكأولادي الذين كانوا يحيطون بي في معاناتي ويمدونني بطاقة الروح وجمال النفس ، وكأصدقائي الذين كانوا يزودونني بالعزم والعزيمة في كل وقت وحين .
نعم ، كفاني تباكيا وحزنا ، فالأنسى آلامي ؛ فالنسيان شكل من أشكال الحرية ، ولأبتعد عن الكــآبة فهي جدار حصين يمنعني من التمتع بالبساتين الرائعة الزكية ، عجباً لإنسان فرغت كأسه فرضي بفـــراغها، وإذا لم يكن فيها سوى نصــفها اعتـــرض على نصف امتلائها …
لقد ولدت ثانية وإن لم يكن في العمر بقية ، ووقعت نفسي بحب جسدي مرة أخرى وتصالحنا معا ً. أدركت أن الإنسان ليست قيمته بما يبلغ إليه بل بما يتوق للبلوغ إليه . لقد حان الوقت لاستمع لصوت العقل ،لا ن الحياة كما يبدو عندما لا تجد مغنيا يتغنى بحزن قلبها تلد فيلسوفا يتكلم بعين عقلها .
سأمشى مع جميع الماشين ولن اقف بلا حراك لأراقب مواكب العابرين . لقد حان الوقت لأخطط لحياتي من جديد ، واضعا نصب عينيّ خدمة البشرية والإنسانية ما استطعت بدءا ً بأسرتي الصغيرة وانتهاءً بأمتي العظيمة … فنحن لا يـُـظهرُ الحقَ الذي فينا إلا الآلامُ العظيمة ُ التي تعترينا ، فالرغبة في الاستمرار نصف الحياة، أما عدم الاكتراث فاعتـقد انه يفوق نصف الموت … هذه قصتي وهكذا أبتدأ كل شيء وهكذا خطط له بأن ينتهي